
في زمنٍ اختلطت فيه المراحل، وضاعت فيه الملامح، نشأنا على عتبات الألم، نُفاجَأ بأحمال لم تكن تُناسب أعمارنا، نكبر على وجعٍ لم نصنعه، ونشيخ قبل أن نتعلّم معنى الحياة. نحن الجيل الذي أُجبر على النضج قسرًا، على التحمّل صمتًا، وعلى الاستمرار رغم انكسار الروح.
كنا صغارًا نحلم بالدُمى والركض في الحارات، لكننا وجدنا أنفسنا نحمل همّ الأسرة، نواسي أمهاتٍ منهكات، ونشدّ على أكتاف آباءٍ أنهكهم الفقر والتعب. لم نكن نعرف أن الطفولة قد تُسرق، وأن البراءة يمكن أن تُداس تحت وطأة الظروف.
أصبحنا نُجيد الصبر ونحن لا نزال نخطو أولى خطوات المراهقة. تعلمنا كيف نُخبّئ دموعنا كي لا نُربك من حولنا، وكيف نُخفي خوفنا لنبدو أقوياء. كتبنا رسائل حزننا على أوراق بالية، واحتفظنا بأحلامنا في درجٍ مغلق لا يفتحه أحد.
من المؤلم أن يبلغ المرء الشيخوخة النفسية وهو لم يعرف بعد طعم المراهقة الكاملة. أن تتحوّل الطفولة إلى ذكرى رمادية، وأن يصبح العمر مجرد رقمٍ لا يحمل دلالة على الحقيقة. نحن جيل الخيبات، جيل الأحلام المؤجلة، جيل البحث الدائم عن حضنٍ دافئ وابتسامةٍ صادقة في عالمٍ ازدادت فيه القسوة.
لم نطلب الكثير من هذه الحياة، فقط بعض الطمأنينة، قليل من الفرح، لحظة نعيشها بصدق دون أن نُحاسب عليها أو نحمل بعدها عبء الندم. ولكن حتى تلك اللحظات كانت عزيزة، تُمنح لنا بشروط، وتُنتزع منّا بلا رحمة.
في زحمة هذا العالم، ما زلنا نحاول أن نتنفس، أن نحلم رغم كل شيء، أن نتشبّث بالأمل في زمنٍ يستهلك أرواحنا قبل أن تنضج عقولنا. لكن الحقيقة تبقى قاسية: أصبحنا مسنّين قبل أن نصبح راشدين.