رؤيتي

تأثير الطلاق على أبناء المطلقين

بقلم: عمر علي فؤاد

يشهد مجتمعنا المعاصر تزايدًا ملحوظًا في حالات الطلاق، حتى باتت هذه الظاهرة تؤرق كيان الأسرة وتهدد استقرارها. فالطلاق لم يعد مجرد انفصال بين زوجين، بل أصبح أزمة متعددة الأبعاد تمس أطرافًا عديدة، في مقدمتهم الأبناء الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذا الانفصال.

عندما تنفصل الأم عن الأب، قد يكون بينهما طفل رضيع لا يدرك ما يجري من حوله، لكنّه مع مرور الوقت يشعر بغياب أحد الوالدين، وتبدأ ملامح الأزمة النفسية في التشكّل داخله. في كثير من الحالات، تتزوج الأم من رجل آخر، ويتزوج الأب من امرأة أخرى، ويُترك الطفل في حيرة من أمره، لا يعرف أين ينتمي ولا من الذي سيقوم برعايته. فهل سيكون مصيره أن ينشأ في كنف أحد أقاربه؟ أم سيربيه أهل الأب أو أهل الأم؟ وفي كلتا الحالتين، يفتقد الطفل أهم مقوّمات التربية السليمة: الحنان العاطفي، والاستقرار النفسي، والاحتواء الأسري.

إن افتقاد الطفل للحضن الأسري المستقر يؤدي إلى نشوء حالة من الفراغ العاطفي لديه، وقد ينمو داخله شعور بالنقص، يجعله أكثر عرضة للاضطرابات النفسية، أو الانحراف السلوكي، أو حتى الفشل الدراسي والاجتماعي. فالأسرة، بمفهومها الكامل، هي الحاضنة الأولى لبناء شخصية الطفل، وعندما تنهار أركانها، ينهار معها الإحساس بالأمان والانتماء.

ولا تقتصر آثار الطلاق على الجانب النفسي فحسب، بل تمتد لتؤثر على النسيج الاجتماعي بأسره. إذ تزداد معدلات التفكك، وتنتشر المشكلات الاجتماعية، مثل التسرب من التعليم، والتشرد، والانحرافات السلوكية. وهذه النتائج لا تعود بالضرر على الطفل وحده، بل تنعكس على المجتمع ككل.

من هنا، فإن معالجة هذه الظاهرة لا بد أن تبدأ من جذورها، وذلك بنشر الوعي بين المقبلين على الزواج، وتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم، وتوفير مراكز إرشاد أسري تهدف إلى حل الخلافات قبل أن تتفاقم. كما ينبغي أن تتدخل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لدعم الأسر المفككة وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للأطفال المتضررين.

في النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول: إن الطلاق قد يكون في بعض الحالات ضرورة لا مفر منها، لكنه لا ينبغي أن يكون الخيار الأول عند كل خلاف. فالأبناء أمانة، واستقرارهم النفسي وتربيتهم السليمة مسؤولية مشتركة، لا تنتهي بمجرد الانفصال، بل تبدأ من لحظة إدراك الآثار التي قد يخلفها هذا القرار على مستقبلهم وحياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى