
في كل صباحٍ ينهض من بين جدران المدينة صوتُ الضجيج، وتتناثر الحكايات بين الأزقة والإشارات، وبينما يهرع الجميع نحو وجهاتهم المعتادة، تمضي “قطرة ندى” بخطى خفيفة، لا تحمل معها سوى حقيبة صغيرة، وعيون مليئة بالحلم.
هي ليست مجرد فتاة عابرة، بل قصةٌ تمشي على قدمين. فتاة جاءت من قرية بعيدة أو مدينة منسية، لتخوض معركة الحياة وحدها في هذه المدينة التي لا تعرف التوقف، ولا تعترف بالضعف.
تسكن في غرفٍ ضيقة، تكاد النوافذ فيها لا تفتح، لكنها تفتح في قلبها نوافذ الأمل كل صباح. تواجه الغربة، لا فقط كمسافة جغرافية، بل كحالة شعورية متواصلة: افتقادٌ للأهل، ولطعام الأم، ولهدوء المكان. لكنها رغم ذلك، تمضي بثبات. تغزل أيامها بالصبر، وتطرّز لياليها بالأمنيات.
كثيرٌ من الفتيات المغتربات يحملن في قلوبهن قصصًا لا تُروى، وأحلامًا تُخزن في دفاتر صغيرة داخل الحقائب. منهن من جاءت لتدرس، ومنهن من تعمل لتعيل أهلها، وأخريات يبحثن عن فرصة تليق بكرامتهن وطموحاتهن.
ورغم كل هذا، تُقابَل المغتربة أحيانًا بنظرات الاستفهام، وأحكام مسبقة. يُساء فهم قوتها، وتُتَّهم بالتمرد لمجرد أنها اختارت أن تعيش حرة، تقرر وتتحمل. لكنها، ببساطة، فقط تحاول أن تكون.
“قطرة ندى” هي رمز لكل فتاة قررت أن تخلق لنفسها مكانًا في عالمٍ لم يترك لها مقعدًا شاغرًا. هي التي حين تبكي، تمسح دموعها بنفسها، وحين تنهزم، تعيد لملمة شتاتها دون ضجيج.
في قلب المدينة، سقطت هذه القطرة، لا لتتبخر، بل لتُزهر. لأن بعض القطرات، حين تلامس الأرض، تُنبت حكايات.