
لم يعد الجيل الجديد ينتظر وصية الأب، ولا حكمة الجد، ولا حتى ملامح الطريق المرسومة سلفًا. جيل اليوم ينظر بعينٍ ناقدة، ويستمع بأذنٍ مترددة، ويتّخذ قراراته من قلب هاتف صغير لا تفارقه أصابعه. فهل نحن أمام جيل ضائع؟ أم أمام جيل وجد نفسه في غياب وصايةٍ لم تكن تُنصت له أصلًا؟
في الماضي، كان “الكبار” هم حماة المعرفة، ومستودع الخبرة، ومنارة الحياة. كان صوت الأب يُسمع قبل أن يُناقش، وكانت نصيحة الأم قانونًا لا يُكسر. أما اليوم، فالمعادلة تغيرت. لم يعد الجيل الجديد يكتفي بالتلقي، بل يسأل: “لماذا؟”، “وكيف؟”، “ومن قال أنكم على صواب؟”.
البعض يرى في هذا التمرّد وقاحة، وغيابًا للأدب، وانحدارًا في القيم. لكن لو تأملنا المشهد بعمق، لربما وجدنا أن ما نراه “وقاحة”، هو في الحقيقة تعبير عن وعي جديد، يبحث عن منطق، لا عن سلطة.
سلطة التوجيه، كما عرفناها، لم تعد تعمل في هذا الزمن. الأوامر لم تعد تُنفذ بالصوت العالي، والمواعظ لم تعد تدخل القلوب دون أن تمر عبر اختبار العقل. نحن بحاجة إلى شكلٍ جديد من الوصاية، لا يُملي بل يُحاور، لا يُلقّن بل يُرشد.
جيل اليوم لم يفقد بوصلته، لكنه فقط لا يريد السير على خُطى من فقدوا وجهاتهم من قبل. يبحث عن ذاته وسط ضجيج الإنترنت، وعن قيمه في وسط عالم متحوّل. وربما كانت مهمتنا الآن، لا أن نفرض عليه الطريق، بل أن نُضيء له بعض العلامات على جانبيه.
فهل نحن مستعدون أن نتحوّل من أوصياء إلى شركاء؟ من موجّهين إلى مستمعين؟ من سلطات إلى مصادر إلهام؟
الجواب ليس عندهم… بل عندنا.