رؤيتي

ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال: الأسباب، الآثار، وسبل المواجهة

دكتور مرزوق العادلي

تُعد ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال من أخطر الجرائم الاجتماعية التي تهدد براءة الطفولة وتُخلف آثارًا نفسية وجسدية طويلة الأمد على الضحايا. وهي ليست ظاهرة جديدة، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا في العصر الرقمي، حيث سهّل الإنترنت ووسائل التواصل الوصول إلى الضحايا وإخفاء هوية الجناة. وتزداد خطورة هذه الظاهرة في المجتمعات التي تفتقر إلى التوعية الكافية، وتُهيمن عليها ثقافة العيب والصمت.
ويُعرف التحرش الجنسي بالأطفال بأنه أي سلوك جنسي غير مرغوب فيه يُمارس ضد طفل، سواء كان ذلك باللمس أو النظر أو التلميح أو الكلام أو حتى عبر الإنترنت. ولا يقتصر التحرش على الاتصال الجسدي فقط، بل يشمل الإكراه على مشاهدة مواد إباحية، أو التهديد، أو استخدام الطفل في تصوير مشاهد غير لائقة. وغالبًا ما يرتكب هذه الجرائم أشخاص من البيئة المحيطة بالطفل كأقارب أو جيران أو معلمين، مما يزيد من تعقيد الموقف وصعوبة البوح.

أما الآثار النفسية والاجتماعية على الطفل فالتحرش الجنسي يترك ندوبًا عميقة في نفس الطفل، قد ترافقه طوال حياته. من أبرز هذه الآثار:

الاضطرابات النفسية: مثل القلق، الاكتئاب، فقدان الثقة بالنفس، واضطراب ما بعد الصدمة.

تغيرات سلوكية: مثل الانطواء، العدوانية، التبول اللاإرادي، أو الانحراف الجنسي لاحقًا.

الصعوبات الدراسية: يعاني كثير من الضحايا من ضعف التركيز، أو رفض الذهاب للمدرسة بسبب الخوف أو العار.

التأثير على النمو الاجتماعي: قد يواجه الطفل صعوبات في بناء علاقات صحية مستقبلًا، نتيجة فقدان الشعور بالأمان والثقة بالآخرين.

أما الآثار على الأسرة والمجتمع

فلا يقتصر الأذى على الضحية فقط، بل يمتد إلى الأسرة التي قد تواجه حالة من الإنكار أو الصدمة أو الشعور بالذنب، وقد تتعرض للوصم المجتمعي إذا تم كشف الواقعة. أما على المستوى المجتمعي، فإن انتشار هذه الظاهرة يُقوض منظومة القيم ويُضعف الثقة بالمؤسسات التربوية والدينية، ويزيد من معدلات الجريمة والانحراف.

وعن الأسباب والعوامل المؤدية للتحرش

فهناك عدة عوامل تسهم في تفشي التحرش الجنسي بالأطفال، من أبرزها:

ضعف الرقابة الأسرية، خاصة في ظل انشغال الوالدين بالحياة المادية.

غياب التثقيف الجنسي السليم للأطفال بما يتناسب مع أعمارهم.

الفراغ العاطفي أو العنف الأسري الذي يدفع الطفل للبحث عن الاهتمام خارج الأسرة.

التغاضي أو السكوت المجتمعي بدافع الخوف أو “الستر”، مما يُشجع الجناة على التمادي.

الانترنت ووسائل التواصل، والتي تستخدم أحيانًا كأدوات لاستدراج الأطفال.

وأعتقد أن سبل الوقاية والعلاج تتمثل في
التوعية والتثقيف: حيث يجب إدماج التوعية الجنسية المناسبة للأطفال في المناهج التعليمية، وتعليمهم حدود أجسادهم وحقوقهم في الحماية.

التواصل الأسري الفعّال: وبناء علاقة ثقة بين الطفل وأسرته تُشجعه على الحديث عمّا يزعجه دون خوف.
و تشديد العقوبات القانونية: لضمان الردع العام ومعاقبة المعتدين، مع توفير سرية إجراءات التقاضي لحماية الضحايا.

التأهيل النفسي للضحايا: من خلال جلسات علاجية متخصصة لمساعدتهم على تجاوز التجربة دون آثار ممتدة.

ثم مراقبة المحتوى الرقمي: من خلال تفعيل أدوات الرقابة الأبوية، وتعليم الأطفال استخدام الإنترنت بأمان.

ودور الإعلام مهم للغاية في نشر الوعي وكسر ثقافة الصمت حول هذه الجرائم دون إثارة أو تهويل.

وختاما فإن مكافحة التحرش الجنسي بالأطفال مسؤولية مجتمعية شاملة، تبدأ من الأسرة، وتمر بالمدرسة، وتصل إلى مؤسسات الدولة القانونية والإعلامية والدينية. ولا يمكن كسر هذا الصمت المؤلم إلا عبر الاعتراف بالظاهرة، والعمل المشترك على الوقاية منها وعلاج آثارها. فبراءة الطفولة لا تُقدر بثمن، وأي انتهاك لها هو تهديد مباشر لمستقبل المجتمع بأسره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى